هذا الفصل من الكتاب المقدس إنما يذكر عدة أمور مهمه ، لابد من ملاحظتها
!!!
1-
ان لوط كان شخصاً باراً بشهادة الكتاب المقدس نفسه
" وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ
سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ ، إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ
وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ
الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ. يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ
الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ، وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
مُعَاقَبِينَ " (بطرس الثانية ٢:٧- 9) ، ولكن رغم بره الا انه أخطأ حينما ظل
ساكناً في سدوم .
2-
بالرغم من سكنى لوط في مدينه سدوم الا انه لم يشترك في
خطايا سكانها ، بل رفضها ووقف ضدها . وظل محافظاُ على ايمانه حتى النهايه .
لم يشترك في
خطية أهل سدوم ( الزني والشذوذ الجنسي ) حيث قال الكتاب عنه حينما أراد اهلها
الزنى مع ضيوفه " وَقَبْلَمَا اضْطَجَعَا أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ
الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ، كُلُّ الشَّعْبِ
مِنْ أَقْصَاهَا. فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: "أَيْنَ الرَّجُلاَنِ
اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا
لِنَعْرِفَهُمَا". فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ
الْبَابَ وَرَاءَهُ وَقَالَ: "لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هُوَذَا
لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلاً. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا
بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ
تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ
سَقْفِي". فَقَالُوا: "ابْعُدْ إِلَى هُنَاكَ". ثُمَّ قَالُوا:
"جَاءَ هذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. الآنَ
نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا". فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ
لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ " ( تكوين 19: 4- 9) .َ
وعن تمسكه
بتقاليده ومبادئه كإبراهيم عمه " فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ
لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: "يَا
سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا،
ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا". ... فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا
جِدًّا، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً
وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلاَ ( تكوين 19: 1- 3 ) .
3-
بنات لوط شاركا والدهما في بره حيث خرجوا معه ورفضوا
السكنى في سدوم الشريره ، وكذلك حافظوا على عفتهم وطهارتهم إذ أن والدهم قال عنهم
" فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ وَقَالَ:
"لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ
تَعْرِفَا رَجُلاً. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ
فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا،
لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي" ( تكوين 19: 3- 6 ) .
هنا أيضاً لا بد أن نعرف أمراً هاماً وهو أن لوط لم يكن يعرف أساساً ما
الذي يجري؛ لا من حيث الفكرة؛ ولا من حيث تنفيذها ... فقد قال الوحي المقدس " دخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم
يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
وحدث في الغد
أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي؛ نسقيه خمراً الليلة أيضاً
فادخلي اضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلاً؛ فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً؛
وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها " ...
الأمر واضح هنا أن لوط لم يكن يعلم أي شيء عن الأمر ...
4-
أدركت أبنتي لوط أن شر المدينه معروف للجميع ، لذلك فهما
لم تتوقعان أن يتقدم أحد للزواج منهما ، كذلك ظنا أن العالم كله أصبح شريراً وأن
إهلاك الله للارض لم يقتصر فقط على مدينتهم لكنه أمتد ليشمل " عمورة " المدينة
المجاوزة وربما إتسع ليشمل العالك كله كما حدث في أيام نوح .
لذلك فهم
أرادتا أن يستحييا نسلاً لوالدهما " "أَبُونَا
قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ
الأَرْضِ. هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ
أَبِينَا نَسْلاً" ( تكوين 19: 31- 32) ، ولا سيما أن والدتهما ماتت قبل
وصولهما لمدينة صوغر " وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ
عَمُودَ مِلْحٍ " ( تكوين 19: 26 ) ، ولهذا يتعذر على ابيهما إقامة نسل جديد
.
ولهذا لم يذكر الكتاب أنهما كررا ما
صنعاه بعد ذلك ، ويقول
القديس ديديموس الضرير: [ أنهما لم تطلبا العلاقة بقصد شهواني بدليل أن
الكبرى طلبت من الصغرى في اليوم الثاني أن تدخل مع أبيها، وأنهما لم تطلبا
الالتصاق بأبيهما مرة أخرى بعد حملها].
5-
أو هن أردن أن يحتفظن بالنسل المقدس ظنا منهما إن
إبراهيم قد مات (فيأتي من نسلهن المسيح) ولكنه حل بشري خاطئ مرفوض. وما فعلوه كان
خطية بشعة وكان إبنيهما رأسين لشعبين شريرين موأب (إبن الأب أي منسوب لأبي الأم)
وبني عمون (إبن شعبي أي الذي من جنسي). وموأب صار أمة كبيرة ثم إندمج مع بني عمون
في الشعوب العربية .
6-
على الرغم من ان فعلتهما شريرة وخطية عظيمة الا ان
الشريعه التي حددت الزواج لم تكن قد أعُطيت بعد ، لأنها بدأت مع موسى . مثل زواج
إبراهيم من سارة أخته التي كانت أختا غير شقيقة له ، إذ كانت ابنه أبيه ، ولكن لم
تكن ابنة أمة (تكوين 20: 12) .
وهذا لا
يعتبر خطأ جسيم بالمقارنه بأيامهم والزمن الذي حدث فيه هذا الامر .
7-
موقف الشريعة من هذه الخطية :
الحقيقة هذه
أيضاً نقطة غاية في الأهمية؛ لأننا لو أردنا أن نحاكم بنتي لوط على هذه الخطية؛
فإننا لا نجد شريعة إلهية نحاكمهم بها في عصرهن ... لأنه في وقت وقوع هذه الخطية؛
لم تكن هناك شريعة إلهية قد أعطيت للناس بعد؛ لتحدد الحرام والحلال؛ فشريعة موسى
جاءت بعد هذا الحدث بأكثر من أربعمئة سنة؛ وليس من العدل أن نحاكم بنات لوط بشريعة
جاءت بعدهم؛ بل يجب أن نحاكمهم في أعراف عصرهم ... وفي عرف عصرهم ما فعلوه خطأ بلا
شك؛ ولا يبارك هذا الخطأ إلا مَن لا يفهم طبيعة الله القدوس ... ولكنه لم يكن قد
أُعلن في شريعة مكتوبة من الله؛ ولذلك لم يوقع الله حكم القصاص على إبنتي لوط
بصورة فورية ..
هذا ولا ننسى
أن في هذه العصر كان إبراهيم أبو الآباء متزوجاً بسارة وهي أخته من أبيه؛ كما ورد
في تكوين12:20 .. وهذا لأنه لم تكن هناك شريعة ترتب
محرمات الزواج والنسب
...
8- موقف الله من الخطية :
إن الله
بحكمته؛ أراد أن يفتح أذهان البشرية؛ إلى رفضه لهذه الخطية؛ حتى ولو لم تكن هناك
شريعة مكتوبة؛ إلا أنه أعطى شريعة الضمير الإنساني وهي في هذه الجزئية كفيلة بأن
تُعرِّف ابنتي لوط بأن ما سيقمن به خطية وأنه أمر غير مقبول أمام الله ... فنحن
نعلم من الوحي المقدس أن الإبنة الكبيرة أنجبت [موآب]؛ والإسم يعني [مَن أبوه]؛ لأنها
احتارت أمام هذا المولود الذي هو ابنها وأخيها في ذات الوقت؛ ولذلك أسمته [موآب]
أي [مَن
أبوه]؛ ... ولم تكن الصغيرة أقل حيرة منها حينما
أسمته [ابن عمي]؛ أي [ابن شعبي] ...
وحيث أنه لم
تكن هناك شريعة مكتوبة في عهد لوط وابنتيه؛ فإن الله أظهر رفضه لهذه الخطية؛ في
مستقبل الأيام؛ بعد أن وضع الشريعة التي أوحى بها إلى موسي النبي؛ فقد أراد الرب
أن يؤكد أن ما فُعل كان خطية؛ وبعد أن أخطأ نسل موآب ونسل عمون في مستقبل الأيام
في عدم صنع الرحمة مع شعب إسرائيل في البرية؛ ولم يحفظوا العمل الذي فعله إبراهيم
مع أبيهم لوط وصلاته لأجلهم .. لذلك أظهر الرب رفضه لكل هذه الأفعال دفعة واحدة
فقال في وحيه المقدس ((لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة
الرب؛ حتى الجيل العاشر لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد. من أجل أنهم لم
يلاقوكم بالخبز والماء في الطريق عند خروجكم من مصر ولأنهم استأجروا عليك بلعام بن
بعور من فتور آرام النهرين لكي يلعنك."تثنية3:23و4-".))...
بالرغم من أن
الخطية قد تستحق نوعاً أخراً من العقاب؛ إلا أن الرب قرر عليهم ذات العقاب الذي
قرره على أبناء الزنى في عبادة الأوثان ؛ حيث أن الوحي المقدس قال: ((لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا
يدخل منه أحد في جماعة الرب. لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب. حتى الجيل
العاشر لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد.))فلاحظوا أن الرب أوقع ذات العقاب الخاص بابن الزنى
المولود من زنى عبادة الأوثان؛ أوقعه على موآب وعمون ... أن لا يدخل منهم إلى
جماعة الرب حتى الجيل العاشر؛ بل وجعل الوصيتين متلازمتين واحدة بعد الأخرى مباشرة
في الوحي المقدس؛ حتى يُذكِّر البشرية برفضه لهذه الخطية القديمة التي ارتكبتاها ابنتي
لوط؛ وبأنها مكروهة منه؛ وكأنه يقول: والآن حيث توجد شريعة؛ فلا بد من تذكير
البشرية وتنبيهها برفضي لهذه الخطية التي ارتكبتاها ابنتي لوط قديماً ... هذا هو
موقف الرب الكلي القداسة
...
ولقد أورد
الوحي المقدس هذه الخطية من باب نزاهته في ذكر الوقائع كما هي؛ بالرغم من أنه لا
يوافق عليها ولكنه يذكرها؛ كأحداث قد وقعت بالفعل؛ ويعلن رفضه لها؛ حتى نتوخى منها
الحذر ...